اخبار

قصة فلسطينيين أفرج عنهما من سجن إسرائيلي وقُتلا بعد أشهر في الضفة الغربية

ا ف ب / زين جعفر هنادي مشة والدة وائل مشة الذي قتل بعد أشهر من الإفراج عنه من سجن إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة قرب صورة لابنها في 15 آب/أغسطس 2024

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حمل شبّان وائل مشة على أكتافهم في شمال الضفة الغربية ابتهاجا بإطلاق سراحه من سجن إسرائيلي. بعد بضعة أشهر، حُمل مجددا على الأكتاف، لكن نحو المقبرة.

كان ذلك في آب/أغسطس عندما سارت جنازة مشة (18 عاما) في أزقة مخيم بلاطة للاجئين بعد أن قضى في غارة جوية إسرائيلية على مخيم نور شمس في شمال الضفة أيضا حيث كانت القوات الإسرائيلية تنفّذ عملية ضد مجموعات فلسطينية مسلحة.

وقال الجيش الإسرائيلي إن الشاب ناشط مسلح كان يشكّل تهديدا لجنوده في المخيم.

ووائل مشة واحد من ثلاثة فلسطينيين على الأقل اعتقلتهم إسرائيل قبل بلوغهم سن الرشد، وأفرجت عنهم خلال هدنة قصيرة في الحرب في قطاع غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قبل أن يقتلوا في عمليات عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية التي تشهد تصاعدا في العنف.

بالنسبة لإسرائيل، فإن عملياتها العسكرية المنتظمة في الضفة الغربية التي تحتلها منذ العام 1967 تعكس التهديد الأمني الذي تتعرّض له من المقاتلين الفلسطينيين.

لكن الفلسطينيين، وبينهم عائلة مشة، يرون أن إسرائيل هي التي تغذّي "الإرهاب" الذي تدّعي محاربته باعتقالها الشباب وقتلهم.

عندما اعتقل، كان عمر وائل 17 عاما. وتقول والدته إنه لم توجّه له أي تهمة، وإنه تعرّض لمعاملة سيئة خلال الاعتقال دفعته وغيره من أقرانه للانتقام.

وتضيف "اقتحموا المنزل دون سبب، ضربونا، لا أستطيع نسيان ذلك اليوم".

بعد إطلاق سراحه، تبنّى مشة "الجهاد في سبيل الله"، كما ذكر في الوصية التي تركها خلفه، وكان يتوقّع موته.

وقال لوالدته في الوصية، "عندما يأتي إليك خبر استشهادي، لا تبكي بل على العكس زغردي، هذا يوم عرسي".

في أزقة المخيم، تنتشر صور مشة وهو يمتشق السلاح، لكن والدته هنادي تقول إنها تفضّل أن تتذكر ابتسامته كشاب شخصيته قوية ومحبوب وطموح، يحبّ الدراسة ولديه شغف بالتكنولوجيا.

وتقول "كان يريد أن يصبح مبرمجا، كان يحب تصليح الحواسيب والهواتف النقالة".

ولكن بعد خروجه من السجن كان لديه "حقد على ما رآه في الداخل وما تعرّض له".

- تصعيد في الضفة الغربية -

ويقول والده بلال مشة إن تجربة الاعتقاله كانت مفصلية في حياة ابنه. ويضيف بحرقة "بعد السجن عاش وائل صدمة كبيرة جدا. ابني دخل شبلا وخرج أسدا".

وتصاعدت التوترات في الضفة الغربية على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ نحو عام. وقُتل أكثر من 680 شخصا على أيدي القوات الإسرائيلية أو برصاص مستوطنين في الضفة منذ بدء الحرب، وفق لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

وقتل من الجانب الإسرائيلي 24 شخصا بينهم عناصر أمن في هجمات نفذها فلسطينيون في الضفة الغربية في الفترة نفسها.

وينفّذ الجيش الإسرائيلي بشكل منتظم عمليات عسكرية في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية التي استحال بعضها إلى ركام في العمليات الأخيرة.

وتتخلّل تلك العمليات اعتقالات كما حدث في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 مع وائل مشة وشقيقه يوسف الذي لم يكن حينها يتجاوز عمره 15 عاما.

وأفرجت إسرائيل عن يوسف بعد أيام، ونُقل وائل إلى سجن مجدو وحُكم عليه بالسجن الفعلي لعامين ونصف دون تهمة واضحة، وفقا العائلة.

في تشرين الثاني/نوفمبر، أُفرج عنه ضمن الهدنة التي استمرت أسبوعا مفاجئا، وأطلق خلالها سراح 240 معتقلا فلسطينيا مقابل 105 رهائن محتجزين في قطاع غزة منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وروى مشة بعد وصوله الى الضفة الغربية أنه تعرّض لانتهاكات مثل محاولة إجباره على تقبيل العلم الإسرائيلي وحرقه بأعقاب السجائر وتعذيبه بالكهرباء والغاز.

وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن ما لا يقل عن 250 فلسطينيا تحت 18 عاما معتقلون حاليا في إسرائيل.

ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات حلمي الأعرج "من الشائع والدائم أن تقدم سلطات الاحتلال على اعتقال الأطفال دون سن 18 عاما... ولا علاقة لعمليات الاعتقال الواسعة النطاق بأي عمل مسلح".

- "شيء من رائحته" -

ويقول والدا وائل مشة إنهما لا يعرفان ماذا كان يفعل عندما قتل في الغارة الإسرائيلية في 15 آب/أغسطس.

وتروي العائلة أن وائل تلقى قبل يوم من مقتله، اتصالا من ضابط إسرائيلي قال له "الآن حان دورك".

وتقول الأم إنه يومها "أومأ لي بيده واختفى" قبل وقت قصير من سماع دوي القصف الذي وقع في السوق المركزي للمخيم.

في مدينة قلقيلية، تبدو أسباب مقتل طارق داوود أكثر وضوحا.

واعتقل طارق داوود عندما كان مراهقا خلال الفترة نفسها التي اعتقل فيها وائل مشة وأفرج عنه معه أيضا.

خرج داوود من السجن وروى أنه تعرّض للضرب والتعذيب، وفق ما يقول شقيقه خالد لوكالة فرانس برس في باحة منزل العائلة في مدينة قلقيلية في شمال الضفة الغربية.

ويضيف "أُجبر على الاعتراف بحيازة السلاح ومحاولة تصنيع عبوات ناسفة وخطف جندي".

ويتابع أن شقيقه قبل اعتقاله "لم يكن من المجاهدين، بل كان يطمح الى أن يصبح مهندسا أو طبيبا.

الجيش الإسرائيلي حطّم كل طموحاته"، وأصبح ناشطا في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية.

نفّذ طارق داوود (18 عاما) هجوما بإطلاق النار على إسرائيلي قرب قرية عزون شرق قلقيلية، وردّت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار عليه وقتله، بحسب خالد والجيش الإسرائيلي.

وتحتجز إسرائيل جثمان داوود.

ودفع ذلك خالد داوود للقيام بزيارة قبور أصدقاء شقيقه - وبعضهم مقاتلون- الذين قتلوا في الفترة نفسها في مقبرة قلقيلية كل يوم. "إنهم أصدقا، مثل الأخوة، فيهم شيء من رائحته".